عاداتُ الكُتَّابِ
مَنْ يَمْتَهِنُ الكِتابةَ لابُدَّ وأنْ تتكوَّنَ عنده عاداتٌ، لا يُمكِنُه خَوْضُ عالَمِها إلا بهذه العادات، وكُلُّ كاتبٍ لَهُ عاداتُه، وهذه العاداتُ قَدْ تدومُ طويلًا، فتتغيَّرُ، أو تكون دائمةً ثابتةً. وهي تعودُ إلى ثلاثةِ أمورٍ: الزمانِ، والمكانِ، والحالِ، بمعرِفَتِها نُدْرِكُ أنَّ الكاتِبَ إذا رامَ الكتابَةَ أن يُتْرَكَ وشَأْنَهُ، إذا أَخَذَ في تهيئةِ تلك العاداتِ التي يعيشُ أجواءَها.
فأما الزمانُ، فإنَّ الكتابةَ إما أن تكونَ حاكمةً على الكاتِبِ، فتَرِدُ دونَ وقتٍ مَعلومٍ لديه، فرُبَّما جادَتِ الفِكْرَةُ بَنْفِسِها في ساعةٍ من الزَّمانِ، فأَقْلَقَتِ الكاتِبِ، فلا يَقَر لها قَرارٌ إلا بعد أن يكتُبَها كاملةً تامةً كما جاءَت. وإما أن يكونَ الكاتبُ حاكمًا عليها، فهُنَا تأتي عاداتُه الزمانية في الكتابة، فبعضُ الكُتَّابِ عاداتُهُ في أثناءِ اليومِ والليلةِ، وبعضُهم في أحد أزمنة الفصولِ السنوية، والبعضُ قد يكونُ له شَهْرٌ يَأْنَسُ بِهِ لِيَكْتُبَ فيه. وهنا تكون العاداتُ المُختَلِفَةُ بينَ الكُتَّابِ.
وأما المكانُ، فهذا من أعجَبِ عاداتِ الكُتَّابِ، بل مِن أغرَبِها، فللكُتَّابِ عاداتٌ غريبةٌ في اختيارهم لمكانِ كِتابتِهم، لن يُدْرِكَ غيرُ الكاتِبِ حقيقةَ هذه العادة، فمِن الكُتَّابِ مَن يَكْتُبُ في بَيْتِهِ، ومِنهم مَنْ يَكْتُبُ في مَقْهَى، ومِنهم مَن يُسافِرْ لِيَكْتُبَ، بل منهم مَنْ يَشْتَرِي مكانًا لأجْلِ مكانٍ فيه ليكْتُبَ.
وأما الحالُ، فهي تتعلَّقُ بالكاتِبِ نَفْسِهِ، أو مكانِهِ، أو عُدَّةِ كِتابَتِهِ، أو ما يكونُ بِحَضْرَتِهِ مِن مأكولٍ ومَشْروبٍ، فمن الكُتَّابِ مَن عادَتُه إذا أرادَ الكتابةَ أن يُعَطِّرَ المكانَ، ويُجَهِّزَهُ بكلِّ مُريحٍ له، ومنهم مَن يكتُبُ بوَرَقٍ خاصٍّ، وقلَمٍ خاصٍّ، ومِنهم مَن يكتُبُ قائمًا أو جالِسًا أو على جَنْبٍ، وإنَّ بعضَهم عادَتُه أنه لا يكتُبُ إلا وهو خالٍ وخفيفٌ مِن ملابِسِهِ، بل بَعْضُهم بأَغْرَبَ مِن ذلك، وإن كانتْ غرائبُ الكُتَّابِ في المكانِ، فإنها في الأحوالِ أشد غرابةً.
ويُظر في هذه العادات على سبيلِ المثال كِتابَا: “طقوس الكتابة عند الروائيين” عبدالله الداوود، “أين كانوا يكتبون” فرانسيسكا بريمولي-دروليرز، وهناك مَنْ تَطَرَّقَ لهذه العادات، وفي هذين الكتَابَيْن العجيبُ والغريبُ.
فإياكم ولَوْمَ الكُتَّابِ على عاداتهم، لأنَّ تلك العادات تجعلُه في راحةٍ تامَّةٍ إذا كَتَبَ، فليستْ عَبَثًا.