أشتاتٌ

الهَمُّ الرَّشِيْدُ

يُصيبُنا اِشتغالٌ بأمور كثيرة، ونَهْتَمُّ بها اهتمامًا بالغًا، فتكون الأمور تلك كلها في تصنيفِ المهمِّ العاجل، وهُنا يكونُ تِيْهُ الإنسانِ، وضياعُ الطريق، لاضطرابِ البَوْصَلة، وتَشابُهِ الأعمالِ بقَدْرِ الأهمية والسُرْعة، وهذا ينتهي بنا إلى نتيجةٍ واحدةٍ؛ لا إنجاز، أو يحدُثُ إنجازٌ لكنَّه مَعْلُولٌ، وهذه النتيجةُ تُثْمِرُ شُعُورًا بعدَمِ الرِّضا، وتَبْعَثُ القلقَ في النَّفْسِ، ومِنْ ثَمَّ يَدْخُلُ الإنسانُ في عالَمِ جَلْدِ الذاتِ وتأْنِيْبِ الضَّمِيْرِ.
إنَّ الأعمالَ لأَجْلِ أن تَتَحَقَّقَ يَجِبُ أن يكونَ الاهتمامُ بها مُرَكَّزًا، وهذا التركيزُ هو بِصَرْفِهِ إلى واحدٍ منها، وهذا الصَّرْفُ يكونُ بالترتيبِ، والترتيبُ للأعمالِ يَجعَلُ الهِمَّةَ لِهَمٍّ واحدٍ، فإذا توحَّدَ الهِمَّةُ والهَمُّ كانَ الإنتاجُ. إن كثيرًا من الأعمالِ العَظيمةِ التي غابَتْ واختَفَتْ إنما ذلك بسببِ هذا الخَلل، وهو خَلَلٌ يسيرٌ مُحْتَقَرٌ، ولكنَّه كارِثِيٌّ، يَقْضِي على كلِّ ما عندَ الإنسانِ، لذا فإنَّ العظيمَ، ذا الهِمَّةِ الكُبْرَى، هو الذي يَنْصَرِفُ بِكُلِّ هِمَّتِهِ إلى هَمٍّ واحِدٍ، فيَشْتَغِلُ لأجْلِهِ، ويَعْمَلُ عليه، فيُنْجِزَه في وَقْتٍ لمْ يَكُنْ مُتَصَوِّرًا لَه.
مِنْ ثِمارِ هذا الحالِ أنَّ تلك الأعمال التي اِشْتَغَلَ بها الإنسانُ حينًا من دَهْرِهِ، ولم يُنْجِز شيئًا منها، سيُنْجِزها جميعًا في وقْتٍ قصيرٍ، قصير بالنسبةِ لكثْرَتِها، وهذا يُؤَكِّدُ القاعدَةَ التي كثيرًا ما أقولُها للناسِ: إذا تَرَتَّبَتِ الأوْقاتُ اِتَّسَعَتْ.
إنَّكَ، أيها الإنسانُ، “إذا جَعَلْتَ الهَمَّ هَمًّا واحِدًا * نَعِمْتَ بَالًا، وغَنِيْتَ رَاشِدًا“، وهذا الشيءَ لن تنالَه إلا بهذا الطريقة، فَوَحِّدْ هَمَّكَ، واَصْرِفْ لَهُ هِمَّتَك، ثُم انْظُرْ إلى الأَثَرِ، تَجدِ البالَ ناعِمًا في قَرارٍ، وأنتَ في غَنَاءِ الرُشْدِ، وبدونِ ذا فأنتَ في الأضْدادِ، ويَمُرُّ عليكَ الزمانُ وأنتَ ثابِتٌ في مقامِكَ، ودَوامُ المُتَحَرِّكِ تأخُّرٌ.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى