حولياتُ أَبي

“نُزهَةُ الأنام” وذكرى أبي

“نُزهَةُ الأنام” وذكرى أبي

مُجدَّدُ الذكرى لوفاة الوالد السعيد رحمه الله تعالى، والتي كانت وصارت في يوم الأحد ٢٢ شوال، ولكنها هذه المرة وافقت معَ التاريخِ اليوم، فما أظن في العِقدَين الماضيين وافقَ هذا التاريخ يومَ أحدٍ، وعندما أكتُبُ عن والدي في يوم ذكرى وفاتِه رضي الله عنه إنما هي من البَريرَةِ به، ومن ذكرِ بعض أخبارِه، وكذلك بذكره يكون الدعاءُ له، ولكل ميت من المسلمين، رحم الله الجميع، ورضي عنهم.

كان من خبر “نُزهَة الأنام في قصة الصِّدِّيق يوسف عليه السلام” ‏أدركتُ سيدي الوالد، رحمه الله تعالى، وهو يستمع لقصيدةٍ منسوبة للصرصري الحنبلي، في قصة الصديق يوسف عليه وعلى سيدنا محمد الصلاة والسلام، وقد أنشدها بصوته الشجي العذب الشيخ حمد الريس، وهي في شريطين، وهذا رابطها: قصيدة نزهة الأنام، وقد وقفتُ عليها مطبوعة قبل ما يزيد على ٢٥ سنة في بريدة، وظفرت بنسختين، إحداهما للوالد، رحمه الله، والأخرى لي، وفقدتهما، فلم أقف لهما على أثر. فوجدتها، بعد رمضان الفائت، والحمد لله تعالى، وهذه القصيدة تحكي قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وعلى نبينا أفضل وأجزلَ الصلاة والسلام، ولست في حالِ الكلام عن صحة نسبتها، وصحة ما فيها، إنما القصد ذكر خبرها وعلاقتها بالوالد رحمه الله تعالى، وأذكر فرحَه بها لما ظفرت بها مطبوعة، وكان رحمه الله حريصًا عليها، حفِيًّا بها، كثير الاستماع، لا السماع لها. إن حصولي على هذه القصيدة، بسعرٍ ضاربٍ في الغلاءِ، على صِغَرِها، من أجل حفظ العهد بشيء من خَبَرِ سيدي الوالد السعيد رحمه الله تعالى، غير أن نفسي تواقة للنوادر من الكتب، وخِزانةُ كتبي حافلة بالنفيسِ الأنفَسِ منها.

إن اهتمام الناس بمثل هذه الأشياء في زمنٍ قَلَّ المهتَمُّ بها يشير إلى أمرين، علمًا بأن أبي رحمه الله تعالى ليس من المشتغلين بالعلم ولا بالكتب، ولكن هذه لها وقْعٌ عجيب في نفسه، فالأمر الأول وجود نزوع إلى التزود من المعرفة، مهما كانت، والثاني أن الأخبار والأقاصيص والأساطير لها سطوتها على الناس، لذا فهي ثقافة العامة، وبذلك كثُر القصَّاصون والإخباريون والوُعَّاظ، وفي الأساطير الشعبية الحَكَواتيون، وغيرُ خافٍ على العاقلِ أنْ ليسَ أحد منهم يؤخَذُ منه العلم الشرعي.

قصة يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام من القصصِ التي أخَذَت بمجامع القلوب، فنجد التالي لها في تراويح رمضان تنزع نفسُه إلى تلاوتها بنبرة خاصة، ليس باختيارٍ منه، وهذا السر الذي جعلَ أبي رحمه الله تعالى يهتم بها.

والدي العزيز، عليك رحمة الله تعالى كلَّ حينٍ ووقت، وجلَّلَك برضوانِه، وأعمامي وعماتي، وجميع القُرَبَاء، وعامة المسلمين، ما رلت مذكورًا بالخير محمودًا به وممدوحًا به، ما كنتُ أظنُّ أن أكتُبَ هذه اليوم، وإن كانت العادةُ آن أنشرُها في ساعة رحيلك، إلا أنني قدَّمْتُ الوقتَ قَدَرًا من الله تعالى، فإنَّ التوافُقَ شِبْهَ التامَِ هذا العام في هذه الذكرى كان مُؤْذِنًا بأمرٍ مَّا قد يكون، وما رلنا في علمِ الله تعالى، ولكنَّ الله يسَّرَ وسخَّر، فكانَ الكَتْبُ، وله تعالى جليل الحمد.

وما زالت نِعمُ الله تعالى على مَن تركتَ من أهلِك تتابَعُ، أمور من السرور لا تَخفَى على ميتٍ، كما بَلَغَنا من الأخبارِ عن الأوائل.

قد تكون الكتابةُ قصيرةً مَقصوصة، ولكنها فتحُ الله تعالى في ذا الوقتِ والحال.

نظر الله لك بعين الرعاية والكفاية، وأحسن لك الضيافة، وبوَّأكَ وأهلك منزلًا عاليًا رفيعًا، وحفظ لنا قُرَّةَ العينِ، أُمِّنا، وأطال عُمُرَها بخير وعافية وعمل صالح رشيد. والسلام عليك كلَّ حينٍ وساعةٍ، ما ناحَ طيرٌ وأَورَقَ عُودُ.

 

عبدالله بن سليمان بن عبدالله العُتَيِّق

الأحد ٢٢ شوال ١٤٤٦

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى