أبي عيدُ يومِهِ
من محاسِن العاداتِ تخصيصُ يومٍ في السنةِ يتكرَّرُ يُجدد عهدَ الوفاءِ، يوم الأبِ و يوم الأم، و إنهما لمن مناقبِ ما يُحْفَظ لمن بادَرَ بهما. يُدركُ بهما المُنصَرِفُ ما يحثُّه على الإقبالِ، حيث يرى جموع الناسِ تأوي إلى أبَوَيْها.
أبي؛ هذا عيد الأبِ، حلَّ علينا ليلةَ بَدْرِ رمضانَ، و كأنَّه يهمِسُ لنا بأنَّك بَدْرٌ و إن أخفاك الموتُ. جاءَ عيدُك ليُجدِّدَ في أرواحنا جِراحَ الحُزْن لفقْدك، و ليبعَثْ أشواقَ اليائس الحزين إليك. جاءَ هذا العيدُ ليقولَ لنا كرِّروا أحزانكم بالأشواقِ، و إديموا للأشواقِ عِناقاً.
لم يفعل هذا العيدُ شيئاً إلا أنه ساعدنا لنُبْقِيَك خالداً، و ساعدنا لندومَ على وِصال الحبِّ و الشوقِ، و ساعدنا لنُجدِّد كلَّ حينٍ عنكَ حديثاً غابراً يكونُ لنا عامراً.
أيها الطاهرُ الذي سارَ بالطُهْرِ مُرْتَحلاً حيث أماكن القُدْسِ الأطهرِ في ضيافة اللهِ، لك الرضى و زيادة، و لك الضيافةُ بالريادة، و لكَ مقاماتِ العلو بالسيادة. إن جاءَ عيدٌ فهو يُجدِّدُ بالذكْرى مَن نَسِيَ، و هل تُنسى أنتَ؟!
حيثما يَمَّمْنا وُجوهَنا نَحْو شيءٍ كُنتَ أنتَ في قِبْلَة المَسير. و أينما توجَّهنا قاصدين ناحيةً حكَتْ لنا النواحي آثاراً عنك. كل شيءٍ يحكي عنكَ، حتى الذين لم يُدْرِكوكَ. في كلِّ شيءٍ بَعْضٌ منك عنكَ لنا، نُرْخي أسماعَ قلوبنا لنسمع حديثَ الصامتات.
أبي؛ أنموذجَ الكمالِ، كلُّ ابنٍ بأبيه يفتخِرُ، لو لم يكن منكَ فضلٌ غيرَ أننا لم نكن في الدنيا إلا بك لكفانا، فكيفَ و قد أوْلَيتَنا الجميلَ من التربية، و منحتنا النبيلَ من الأخلاق، و ارتقيتَ بنا بما يجري منك لنا على لسانك من نصيحة و حكمة. إننا إن لم نرَ فيك كمالاً إننا لفي نقْصٍ.
أبي؛ هذا العيدُ بَدا، و هذا العيدُ جاءَ، و أنتَ لستَ هنا، و إنك لحاضرٌ في كل موائد الجمالِ، و إنك لتتجلَّى لنا في كل أحوالِ الحياةِ. ما ماتَ مَن خلَّفَ مُخَلِّدِيْهِ.
لتَلْتَقي روحكَ الطاهرةُ بآباءٍ لك، و بإخوتك و أخواتك، و بالأصحابِ، فالعيدُ مَحْفلٌ كونيٌّ، و ما تكالَبَت الناسُ على شيءٍ فيكون فَرْدياً، و إنا لنشعُرُ عند لحظةِ الفِطْرِ في هذا العيدِ بأنك في الرضا كائن، و بأن الرضا منك عنا كامن، و لك منا الدعواتُ قُرْبى و زُلْفَى، و لك عند اللهِ المقامَ الأوْفى.
أبي، أيها البدْرُ؛ عليك أمانُ اللهِ برضاه في قبرِ النعيم، فاهنأ فيه بسلامٍ آَمِناً من كلِّ سوءٍ، و تمتَّعْ فيه بما يغدو عليك من ضيافةِ ربِّك، و لا تَخْشَ من ذي العَرْشِ غضباً، فَمَن سبَقَتْ رحمتُه غضبَه فقد مَنَّ بالرضا، و هو المُؤْمِنُ المُؤَمِّنُ. فما أهنأَ حالَك، و ما أرْقى شأنَك.
أبي؛ تحيَّةُ الأبناءِ إليك، و تحيةُ الأحفادِ و الأسباط، و تحيةُ الجموعِ الكبيرة الكثيرة المتوافرة على حُبك= إليكَ فاقبَلْ التحايا هدايا على مطايا الحبِّ.