أشتاتٌحولياتُ أَبي

أبي، أيها القلبُ المُدرِكُ

أبي، أيها القلبُ المُدرِكُ

سلامٌ عليك أبي، ورحمة الله وبركاته، ورضي عنك، وبوأكَ مراتبَ العُلا.

كعادتي في مخاطبتكَ كلَّ عامٍ في يوم رحيلك عنَّا، أكتب لك اليوم للمرةِ الثانية والعشرين، والتي تعني مرور ثنتين وعشرين سنةً على رحيلك الموجِع، فسلام عليك، ورَوحٌ وريحانٌ لجميعِكَ في مقامِك.

البارحة كنتُ في ذات المكان الذي فاضت فيه روحك الشريفة، وخرجتُ منه في ذات الوقتِ، أو بُعَيْدَه، وعجبتُ من هذه الموافقة، أن دخلتُه بعد تلك السنوات وفي ليلةِ رحيلك.

هناك الكثير مما أُريدُ البوحَ به، وما أرغبُ بقولِهِ وبثِّهِ، ومما علِمْنا مما تُنُوْقِلَ في أخبار الشريعةِ أنَّ الميتَ يعرفُ خبرَ أهلِه، ولكن الابنَ يأوي إلى أبيهِ، ركنِهِ الشديد.

قبل سنواتٍ، في مكةَ، كنتُ راجعًا من أحدهم، فسألتني عنه، فأخبرتك جوابًا، فنطق لسانُك بمكنون قلبكَ عن عدم ارتياحك إليه، ولكنني الشاب الذي غُلِبَ بهواه، خالفتُك، وسرتُ.

بعد سنواتٍ طوال، بانتْ لي نبوءتُك فيه وعنه، وحمدتُ الله تعالى عليك.

أبي، إنَّ في بَحْرِ عامٍ، من الذكرى الماضية إلى هذه، الكثير من الأخبار، مما يسرُّكَ ويُبْهِجُكَ، وأنتَ الزائرُ في المنامِ، بالأحلامِ، وفي القلوبِ بخاطرٍ عابرٍ، وفي العقلِ بالذكرياتِ=تُدْرِكُ من ذلك الذي يكونُ فينا وبيننا، وتُدركُ الشوقَ الذي عمرَ القلوبَ، حتى صارتْ رؤيتك في المنامِ كأنها رؤيا يقظةٍ، وأنت الذي لا تزورُ إلا لِمامًا، ولأمْرٍ ما، تَزُفُّ بُشرًى برمْزٍ، أو توجِّهُ بأمارةٍ.

إنَّ أُسْرَتَكَ -بمعنى الأعمَّ-في خيرِ حالٍ، وفي جَمْعٍ واجتماعِ شَمْلٍ، يَأْنَسُ بعضُهم ببعضٍ وكأنهم آنِسيْنَ بأكابرِهم، من أبناءِ العمِّ والعمَّات، يَذكرونَ مآثِرَكم، ويُرسِلونَ أخبارَكم، ينقُلُ أحفادٌ لأحفادٍ، في تَسَلْسُلٍ من النقْلِ مُسْتَجَادٍ.

نعلمُ أنكَ بخيرٍ، وترفُلُ بفضلٍ من اللهِ تعالى، وإنَّا لنطْمَعُ لك، وهو كائنٌ، من اللهِ المَزيدَ، من فيضِ الفضلِ منه سبحانه وتعالى، وإنك الحاضرُ في دعواتِنا وأعمالِنا، وأنتَ الذي لم يَغِبْ يومًا عنَّا ذكرٌ لكَ، فرضي الله تعالى عنك.

أيها الأبُ المبارَك، صاحبُ القلْبِ المُدْرِك بأسرارِ الأُبُوَّةِ، عليك السلامُ حيًّا وميِّتًا، ورضيَ عنكَ في كلِّ حالٍ، وإنَّنا على عهْدِ الحالِ الذي ترجو أن نكونَه، بالجمْعِ والنفْعِ، فما ماتَ مَنْ خلَّفَ، ولعلَّك أن تكونَ راضِيًا عنَّا، وكذلك الوالدةَ الميمونة.

والسلامُ عليك.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى